Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

مجلة الرؤية- |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

نظرة القرآن الشمولية للنساء


نادية الشرقاوي

المحاور:

  • لمحة عن وضع النساء الراهن
  • مفهوم المرأة في القرآن، المرأة: الإنسان
  • منهج القرآن في تصحيح صورة النساء
  • خاتمة 

1.لمحة عن وضع النساء الراهن:

عرفت الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا بالعنصر النسوي، سواء من طرف المرأة نفسها أو من طرف الرجل أيضا، بهدف إنصاف هذه الفئة وإعطائها المكانة اللائقة، خصوصا بعد إلغاء الدور الفعال للنساء في بناء المجتمع إبان عصر التراجع والجمود، وتهميشهم بسبب عوامل متعددة، كرَّسها الموروث الثقافي من عادات وتقاليد اجتماعية لتحط من قدر المرأة في المجتمع.

وتَمثل هذا الاهتمام في إنشاء الكثير من الجمعيات والمراكز الحقوقية والقانونية والاجتماعية، التي تُعنى بتحسين وضعية النساء والرفع من شأنهن ماديا ومعنويا، بالدفاع عن حقهن في التعلم والارتقاء بهن إلى المستوى المطلوب الذي تتحقق به الكرامة والعدل والمساواة… متأرجحين بين الأخذ من النموذج الإسلامي والنموذج الغربي كبديل في إيجاد الحلول المناسبة، لكن ما يلاحظ بعد الكثير من الجهود المبذولة أن الحلول المقدمة تبقى حلولا نسبية لأنها تعتمد نظرة تجزيئية، فهي لا تسعى للنهوض بكل قضايا النساء في العالم بقدر ما تهتم بإيجاد حلول آنية لأوضاع راهنة دون النظر في مسبباتها وأسباب نشوئها، والوقوف مع الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي كانت وراء تكريس هذه الأوضاع السيئة التي باتت النساء اليوم يعشنها، حتى أنها أثرت لا على وضع النساء فحسب بل على الأسرة والمجتمع كله، وأقدم هنا مثالا لتوضيح ذلك:

فالبحث عن مخارج قانونية لحل مشكلة “الأمهات العازبات”، وبذل الجهد في تمكينهن من تسجيل أبنائهن بسجلات الحالة المدنية، وتوفير المأوى والسكن لهن ولأبنائهن، وتعليمهن حِرفا وصنائع للحصول على لقمة العيش والتعفف عن سؤال الناس، هذا كله أمر محمود يخفف من حدة المشكل نسبيا، لكن عدم وضع حد لظاهرة الزنا التي تنخر جسم المجتمع صحيا وأمنيا و… أو البحث في أسباب انتشار هذه الظاهرة بين النساء، ومحاولة إيجاد حلول تعالج الظاهرة في أصلها لا في فرعها، يجعل المشكل قائما وفي تزايد مستمر، لأن وجود الأمهات العازبات هو نتيجة لوضع مترد للمرأة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحلُّه يكمن في بحث أصل المشكلة لا في نتائجها.

فأين هي كرامة المرأة؟ وكيف يتحقق المجتمع السليم إذا كانت أهم ركيزة فيه عليلة؟

إن علاج مثل هذه الظواهر التي باتت النساء تعاني منها داخل المجتمع، وإن كان أمرا عسيرا، فهو ليس بالمستحيل، فإذا كانت إرادة التغيير والإصلاح قوية فستكون النتائج كبيرة ومحمودة في الوقت ذاته، فالإسلام حين جاء كانت حالة النساء أسوأ بكثير مما هنَّ عليه اليوم، فقد تحرم المرأة من حق الحياة فتقتل وهي رضيعة لأنها أنثى، وقد تحرم من الميراث لأنها أنثى، وقد تُزوج بالإكراه وتجبر على العيش مع من لا تريده لأن ليس لها الحق في اختيار الزوج… ومع ذلك استطاع الإسلام زهاء عقدين من الزمن القضاء على أغلب هذه الأوضاع السيئة، فحرَّر المرأة وقضى على أنواع الاستغلال الذي كانت تعاني منه النساء، وحمى حقوق المرأة ورسخها في مجتمع أغلب أفراده ذكوريون في عقليتهم، ووجدت المرأة في الإسلام ملاذا لها وحماية لها من التقاليد الموروثة والظالمة التي تزكي اغتصاب الحقوق، وبالجملة أعطى النساء حقهن المسلوب، وذلك بمعالجته لقضايا النساء بشكل شمولي متكامل دون تغليب جانب على آخر.

ولكي نفهم النظرة القرآنية للنساء، ومنهج القرآن في التحرير يجب أن نسلك المنهج القرآني نفسه، والذي قام أساسا على تشخيص دقيق لوضع النساء، وتحديد مواقف المشركين منهن، وبيان أنها مواقف جائرة لا تستند على العقل والمنطق والحكمة.

وعليه، يجب أن نميز بين أحكام القرآن وقوانينه ومفاهيمه عن النساء.. وبين الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون بعاداتهم وتقاليدهم المخالفة للإسلام، والتي أثرت فيها عوامل التخلف الناتج عن الاستعمار والجهل والأمية والابتعاد عن مبادئ الدين الحنيف، وكلها عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار عند معالجة موضوع النساء في العالم الإسلامي.

2. مفهوم المرأة في القرآن- المرأة الإنسان:

عندما نطلع على النصوص القرآنية، وخصوصا فيما يتعلق بموضوع “المرأة”، نجد تميُّز القرآن في تناوله لهذا الموضوع، يختلف عن تعامل نصوص العهدين القديم والجديد، حيث تعامل مع المرأة بإنصاف، تمتعت في ظل مبادئه بالمرتبة ذاتها التي يتمتع بها الرجل، فلم يفرق بين الرجل والمرأة في الجنس، بل أكدَّ عدم التمايز بين الذكر والأنثى، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[1]، ويظهر عدم تمييز الحق سبحانه وتعالى بين الذكر والأنثى في قصة ولادة مريم أم المسيح عليهما السلام حيث أكد الحق سبحانه وتعالى سمو الأنثى ومساواتها حتى في أمور العبادة مع الذكر، وذلك في قوله تعالى:﴿ لَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾[2]، ففي هذه الآية الكريمة تظهر جليا مكانة الأنثى عند الخالق سبحانه وتعالى، فلم يفرق عز وجل بينها وبين الذكر بل تقبلها قبولا حسنا، وأنشأها إنشاء صالحا حسنا لتكون في خدمة .

كما أشار القرآن إلى أن الرجل والمرأة جسد واحد متآلف فيما بينه، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾[3]، لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾[4]، بمعنى أنهن ستر لكم وأنتم ستر لهن يستر بعضكم بعضا كما يستر اللباس الجسد، ولفظ اللباس يجمع عدة معاني منها السَّكن والستر والمخالطة والإحصان.

والمرأة إلى جانب الرجل داخل المنظومة القرآنية تُسهم في إدارة شؤون الحياة على قدم المساواة، وتستقل بشخصيتها عن الرجل وفي نفس الوقت يكمل بعضهما البعض، كما في قوله تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[5]، فالعلاقة إذن بينهما هي علاقة مساواة وتكامل، مساواة في الحقوق وتكامل في الواجبات، و قول الله عز وجل في محكم تنزيله دليل على ذلك:﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[6].

فلا فرق إذن بينها وبين الرجل إلا بالتقوى، فهي مسئولة مثله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:”كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها”[7]، كما أنها مكلفة بجميع الواجبات الإيمانية والتعبدية والمالية والاجتماعية..، فلكل من الرجل والمرأة حقوق وواجبات، لا أفضلية لأحدهما على الآخر، وإنما التساوي في الحقوق والواجبات وفق الهدي الإلهي:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[8]. فلم يميز بينها وبين أخيها الرجل في الأوامر والنواهي، والحقوق والواجبات، وما يترتب على ذلك من الجزاء، والأفضلية بينهما تكون بالأعمال الصالحة، قال تعالى:﴿فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾[9]، وقال تعالى:﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾[10].

وهي أولا وقبل كل شيء المرأة الإنسان، فهي والرجل جنبا إلى جنب، تتحمل أعباء الرسالة الإلهية، وتتحمل مسؤولية أدائها على أحسن وجه، قال تعالى:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[11]، وقال تعالى:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا. لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[12].


3. منهج القرآن في تصحيح صورة النساء:

أثناء عرض القرآن لصورة النساء في شريعة الإسلام عرض شكلين لهذه الصورة: الصورة  السلبية والصورة الإيجابية، الصور السلبية التي تسيطر على مخيلة العرب، والتي جعلتهم يتعاملون مع النساء بمكاييل مختلفة حسب مصلحتهم منهن، ويمكننا استخلاص هذه الأوضاع المتردية التي عشنها في الجاهلية من خلال تلك النواهي والأوامر الواردة في القرآن بشأن قضايا النساء، كقول الله تعالى مثلا:﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[13]، ونلاحظ هنا اهتمام القرآن حتى بالفتيات والمقصود بهن الإماء، فالإكراه على الفاحشة لا فرق فيه بين الحرة والأمة، فالقصد القرآني الحفاظ على كرامة النساء بغض النظر على مرتبتهن الاجتماعية، ومثل ذلك قوله تعالى:﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[14]، فكُره الرجال لنسائهن لم يذكر هنا من باب الافتراض، بل هو أمر واقع في المجتمع الجاهلي، ومثل هذا كثير كمسألة العضل، أو حرمان النساء من حقوقهن في الميراث أو الرضاع أو الحضانة وغيرها..

كما أن القرآن أثار موقف المجتمع من إنجاب الأنثى وبيَّن بطلان ما تذهب إليه العرب عند اشمئزاز الرجال من إنجاب البنات، فبنى نقده لهم على تناقض مواقفهم، ففي الوقت الذي يرفضون أن تنسب لهم البنات يدَّعون أن الملائكة بنات الله، فينسبون لله ما ينزهون أنفسهم عنه، قال الله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ[15]، فالله تعالى في هذه الآية يبرز تناقض المشركين إذ يجعلون لله، وهو خالقهم ومعبودهم، البنات وينزهون أنفسهم عن ذلك ويكرهونه، وأشار الله عز وجل في هذه الآية إلى الأنثى على أنها بشارة، والبشارة لا تكون إلا بالشيء الجميل الحسن مع أنه يعلم أنهم يكرهون البنات، وبيّن أن موقفهم هذا صادر عن الهوى والشهوة، وهو حكم سيء جائر كما جاء في آخر الآية، والأمثلة على مثل هذا في كتاب الله كثيرة.

ومن الحقوق التي منحها الحق عز وجل للنساء وأمر بتحقيقها حق الحياة، قال تعالى:﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾[16]، وقال عليه السلام:” من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها- يعني الذكر- أدخله الله بها الجنة[17]، وقال صلى الله عليه وسلم:”من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو أختين أو بنتين، فأدبهن وأحسن إليهن فله الجنة[18] وقال عليه السلام أيضا:” من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار[19]، وقال عليه السلام:”إنما النساء شقائق الرجال[20]. وفي عهده صلى الله عليه وسلم عرفت النساء مشاركة فعالة في كل الميادين سواء السياسية (كالمشاركة في البيعة وفي الغزوات)، أو العلمية (بتلقين مبادئ الإسلام)، أو الاجتماعية، أو الصحية، أو المالية.. وهذا في حقيقة الأمر تطبيق عملي للنصوص القرآنية على أرض الواقع.

وإلى جانب هذا ذكر القرآن نماذج نسائية قلَّ نظيرهن في التاريخ، فكان بذكره لهن في إطار قصصي دور في تفعيل حقوق النساء في الواقع، فنجده بذكر قصة زوجة فرعون وقصة زوجة لوط وزوجة نوح مغزى عقديا، فللمرأة حق في اختيار الدين وعدم إكراهها على أن تدين بدين أهلها، فالأولى مؤمنة متزوجة بكافر، والثانية والثالثة كافرتان في عصمة نبِيَّين من أنبياء الله تعالى وهما نوح ولوط عليهما السلام، قال تعالى:﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[21]، وفي ذكر قصة بلقيس إشارة إلى حق المرأة في تقلد المهام السياسية وحكمها لقومها واعتمادها مبدأ الشورى، قال تعالى:﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ. قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾[22]، وفي قصة مريم أعطى للمرأة الحق في تولي المناصب الدينية في الوقت الذي كان فيه قومها يحرمونها من هذا الحق ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[23]، وفي قصة المجادلة بيّن حق المرأة في الدفاع عن نفسها، قال تعالى:﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[24].

هذه بعض الأمثلة على عناية واهتمام الشرع بالنساء، ولا يمكن لأي متتبع للآيات القرآنية أن ينفي الاهتمام الذي أولاه القرآن الكريم للنساء في كثير من المراحل من البنت إلى الأخت إلى الزوجة إلى الأم، وضرب الكثير من الأمثلة.

وقد مثل عصر النبوة خير مثال على تحقيق ذلك في الواقع، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان معلما ومصلحا ومرشدا لنساء المسلمين، بدءا من بناته وزوجاته، يتوجهن إليه في الأمور الكبيرة والصغيرة، ولم يكن لهن قامعا أو مانعا، بل كان كلامه يوافق التنزيل الرباني.


4.خاتمة

وكما رأينا فالقرآن يقدم صورة متكاملة للنساء، ونظرة شمولية تعم عدة جوانب، كالجانب التشريعي والجانب العملي والجانب الأخلاقي والجانب الحقوقي والجانب التربوي، من خلال أحكام الزواج والطلاق والإرث والمعاملات… في إطار تنظيم العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وإعطاء كل ذي حق حقه بلا حيف ولا ضرر وفق العدل الإلهي الذي يتحقق به مفهوم الاستخلاف في الأرض.

وخلاصة القول إن القرآن لم يميز بين النساء والرجال، بل حتى خطابه لم يكن خطابا ذكوريا، وإنما كان موجها لكلتا الفئتين فئة الرجال وفئة النساء، مستعملا صيغا متعددة تدل على عموم المخاطب (الرجل والمرأة) مثل: “يا بني آدم” “يا أيها الذين آمنوا” “يا أيها الناس” ” أمة” ” قوم”… فهو خطاب شمولي يعم الإنسان بشقيه الذكر والأنثى، قال تعالى:﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾[25].


[1] سورة الحجرات، الآية: 13

[2] سورة آل عمران، الآيات: 36-37.

[3] سورة الأعراف، الآية: 189

[4] سورة البقرة، آية: 187.

[5] سورة التوبة، الآية: 71.

[6] سورة البقرة، الآية 228.

[7]  رواه الإمام البخاري في كتاب “النكاح” باب “المرأة راعية في بيت زوجها” رقم(853) ومسلم في كتاب “الإمارة” “ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” (1423409)

[8] سورة الأحزاب، الآية: 35.

[9] سورة آل عمران، الآية: 195.

[10] سورة النساء، الآية 124.

[11] سورة النور، الآية: 55.

[12] سورة الأحزاب، الآية: 72.

[13] سورة النور، الآية: 33.

[14] سورة النساء، الآية: 19.

[15] سورة النحل، آية: 57-59

[16] سورة التكوير، الآيات: 8-9.

[17] مسند الإمام أحمد رقم الحديث 1958.

[18] سنن أبي داود، أبواب النوم،، رقم الحديث 5147.

[19] رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، رقم الحديث: 1352.

[20] رواه أبو داود في كتاب الطهارة رقم الحديث: 236.

[21] سورة التحريم، الآيات: 10/12.

[22] سورة النمل، الآيات: 29/34.

[23] سورة آل عمران، الآيات:35/37.

[24] سورة المجادلة، الآية: 1.

[25] سورة آل عمران، الآيات 191-195

Moreover, the factions that have formed over big nclb policy questions don’t always cluster neatly why do i always forget to do my homework along party lines, congressional aides said at a capitol hill panel discussion last week
المقال التالي

هذا آخر مقال

أرسل تعليق